فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَالسماء وَالطَّارِقِ (1)}
التفسير:
إنه سبحانه أكثر في كتابه الكريم الأقسام بالسمويات لأن أحوالها في مطالعها ومغاربها ومسيراتها عجيبة. أما الطارق فهو كل ما ينزل بالليل ولهذا جاء في الحديث التعوّذ من طوارق الليل. وذكر طروق الخيال في أشعار العرب كثير لأن تلك الحالة تحصل في الأغلب ليلاً، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي الرجل أهله طروقاً. ثم إنه تعالى بين أنه أراد بالطارق في الآية {النجم الثاقب} أي هو طارق عظيم الشأن رفيع القدر وهو جنس النجم الذي يهتدى به في ظلمات البحر والبر.
قال علماء اللغة: سمي ثاقباً لأنه يثقب الظلام بضوئه كما سمي درياً لأن يدرأوه أي يدفعه، أو لأنه يطلع من المشرق نافذاً في الهواء كالشيء الذي يثقب الشيء، أو لأنه إذا رمي به الشيطان ثقبه أي نفذ فيه وأحرقه. وقد خصه بعضهم بزحل لأنه يثقب بنوره سمك سبع سموات.
وقال ابن زيد: هو الثريا.
وروى أن أبا طالب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأتحفه بخبز ولبن، فبينما هو جالس يأكل إذا انحط نجم فامتلأ ما ثم نوراً ففزع أبو طالب وقال: أيّ شيء هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا نجم رمي به وهو آية من آيات الله» فعجب أبو طالب ونزلت السورة. من قرأ {لما} مشدّدة بمعنى (إلا) ف {إن} نافية. ومن قرأها مخففة على أن (ما) صلة كالتي في قوله: {فبما رحمة} [آل عمران: 159] ف {إن} مخففة من المثقلة. والآية على التقديرين جواب القسم. والحافظ هو الله أو الملك الذي يحصي أعمال العباد كقوله: {وإن عليكم لحافظين} [الانفطار: 10] أو الذي يحفظ الإنسان من المكاره حتى يسلمه إلى القبر.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين» أو الذي يحفظ عليه رزقه وأجله حتى يستوفيهما. وحين ذكر أن على كل نفس حافظاً أتبعه بوصيته للإنسان بالنظر في مبدئه ومعاده.
والدفق صب فيه دفع، ولا شك أن الصب فعل الشخص فهو من الإسناد المجازي أو على النسبة أي ماء ذي دفق كما مر في {عيشة راضية} [الحاقة: 21] ومعنى خروجه من بين {الصلب والترائب} أن أكثره ينفصل من هذين الموضعين لإحاطتهما بسور البدن، والذي ينفصل من اليدين ومن الدماغ يمر عليهما أيضًا. وطالما أعطى للأكثر حكم الكل وهذا المعنى يشمل ماء الرجل وماء المرأة، ويحتمل أن يقال: أريد به ماء الرجل فقط إما بناء على حكم التغليب وإما بناء على مذهب من لا يرى للمرأة ماء ولاسيما دافقاً. وذهب جم غفير إلى أن الذي يخرج من بين {الصلب} ومادّته من النخاع الآتي من الدماغ هو ماء الرجل، والذي يخرج من {الترائب} وهي عظام الصدر الواحدة تريبة هو ماء المرأة. وإنما لم يقل من ماءين لاختلاطهما في الرحم واتحادهما عند ابتداء خلق الجنين. وقد يقال: العظم والعصب من ماء الزجل، واللحم والدم من ماء المرأة، وقد ورد في الخبر أن أيّ الماءين علا وغلب فإن الشبه يكون منه. ثم بين قدرته على الإعادة بقوله: {إنه على رجعه} أي على إعادة الإنسان {لقادر} يعني بعد ثبوت قدرته على تكوين الإنسان ابتداء من نطفة حقيرة وجب الحكم بأنه قادر على رجعه.
وعن مجاهد أن الضمير في {رجعه} يعود إلى الماء والمراد إنه قادر على ردّ الماء إلى الإحليل.
وقيل: إلى {الصلب والترائب} وهذا قول عكرمة والضحاك.
وقال مقاتل بن حيان: إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة. والقول هو الأول بدليل قوله: {يوم تبلى السرائر} أي يمتحن ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وما أخفى من الأعمال الحسنة أو القبيحة، وحقيقة البلاء في حقه تعالى ترجع إلى الكشف والإظهار كقوله: {ونبلو أخباركم} [محمد: 31] ويحتمل أن يعود البلاء إلى المكلف كقوله: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت} [يونس: 30] ومثله قول ابن عمر: يبدي الله يوم القيامة كل سرّ منها فيكون زيناً في الوجوه وشيناً في الوجوه وشيناً في الوجوه. يعني من أدّاها كان وجهه مشرقاً ومن ضيعها كان وجهه مغبراً. ثم نفى القوة الذاتية والقوة العرضية الخارجية عن الإنسان يومئذ بقوله: {فما له من قوّة ولا ناصر} ثم أكد حقية القرآن الذي فيه هذه البيانات الشافية والمواعظ الوافية فقال: {والسماء ذات الرجع} أي المطر لأن الله يرجعه وقتاً فوقتاً على سبيل التفاؤل أو زعماً منهم أن السحاب يحمل الماء من البحار ثم يرجعها إليها. و{الصدع} ما تتصدع عنه الأرض من النبات.
وقيل: {الرجع} الشمس والقمر يرجعان بعد مغيبهما، و{الصدع} الجبلان بينهما شق وطريق. والضمير في {إنه} للقرآن والفصل الفاصل بين الحق والباطل كما قيل له (فرقان).
وقال القفال: أراد إن هذا الذي أخبرتكم به من قدرتي على الرجع كقدرتي على الإبداء قول حق. ثم أكد حقيته بقوله: {وما هو بالهزل} لأن اليبان الفصل لا يذكر إلا على سبيل الجد والاهتمام بشأنه وأعلاها أن يكون خاشعاً باكياً كقوله: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًّا وبكياً} [مريم: 58] ثم سلى نبيه وحثه على الصبر الجميل فقال: {إنهم} يعنى أشراف مكة {يكيدون كيداً} في إطفاء نور الحق وذلك بإلقاء الشبهات والطعن في النبوّة والتشاور في قتل النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} [الأنفال: 30] {وأكيد كيداً} سمي جزاء الكيد بالاستدراج والإمهال المؤدي إلى زيادة الإثم الموجبة لشدّة العذاب كيداً. ثم إنتج من ذلك قوله: {فمهل الكافرين} أي لا تدع بهلاكهم ولا تستعجل به. ثم كرر ذلك المعنى للمبالغة ووصف الإمهال بقوله: {رويداً} أي سهلاً يسيراً. والتركيب يدل على الرفق والتأني ومنه قولهم في باب أسماء الأفعال (رويد زيداً) أي أروده إرواداً وأرفق به فكأنه سبحانه قال: مهل مهل مهل ثلاث مرات بثلاث عبارات وهذه نهاية الإعجاز. وأجل الإمهال يوم بدر أو يوم القيامة وهذا أولى ليعم التحذير عن مثل سيرتهم ويتم الترغيب في خلاف طريقهم والله المستعان على ما تصفون. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الطارق:
مكية.
وهي سبع عشرة آية.
واثنتان وسبعون كلمة.
ومائتان وإحدى وسبعون حرفاً.
{بسم الله} مالك الخلق أجمعين {الرحمن} الذي عمّ جوده المؤمنين والكافرين {الرحيم} الذي خص رحمته بعباده المؤمنين.
وقوله تعالى: {والسماء والطارق} قسم أقسم الله تعالى به، وقد أكثر الله تعالى في كتابه العزيز ذكر السماء والشمس والقمر؛ لأنّ أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها ومغاربها عجيبة. ولما كان الطارق يطلق على غير النجم أبهمه أوّلاً، ثم عظم القسم به بقوله تعالى: {وما أدراك} أي: أعلمك يا أشرف خلقنا، وإن حاولت معرفة ذلك وبالغت في الفحص عنه {ما الطارق} وهذا مبتدأ وخبر في محل المفعول الثاني لأدري، وما بعد ما الأولى خبرها، وفيه تعظيم لشأن الطارق. وأصله كل آت ليلاً ومنه النجوم لطلوعها ليلاً.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وشعبة وابن ذكوان بخلافٍ عنه بالإمالة محضة.
وقرأ ورش بين اللفظين والباقون بالفتح.
ثم فسر الطارق بقوله تعالى: {النجم الثاقب} أي: المضيء لثقبه الظلام بضوئه فينفذ فيه كما قيل: دُرِّيّ لأنه يدرؤه، أي: يدفعه، والمراد جنس النجوم أو جنس الشهب التي يرجم بها.
وقال محمد بن الحسين: هو زحل.
وقال ابن زيد: هو الثريا.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الجدي.
وقال على: هو نجم في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة فهو طارق حين ينزل وحين يرجع.
وفي الصحاح: الطارق النجم الذي يقال له: كوكب الصبح.
قال الماوردي: وأصل الطرق الدق، ومنه سميت المطرقة، وسمي النجم طارقاً لأنه يطرق الجني أي: يقتله.
روي أنّ أبا طالب أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذا انحط نجم فامتلأت الأرض نوراً ففزع أبو طالب، وقال: أيّ شيء هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا نجم رمي به وإنه آية من آيات الله تعالى» فعجب أبو طالب فنزلت السورة.
وقال مجاهد: {الثاقب} المتوهج، وجواب القسم.
{إن كل نفس} أي: من الأنفس مطلقاً لاسيما نفوس الناس {لما عليها} أي: بخصوصها {حافظ} وقرأ ابن عامر وعاصم بتشديد الميم والباقون بتخفيفها تكون مزيدة، و{إن} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي: أنه واللام فارقة وعلى تشديدها فإن نافية، و{لما} بمعنى إلا. والحافظ: هو المهيمن الرقيب وهو الله تعالى، {وكان الله على كل شيء رقيباً} (الأحزاب)، {وكان الله على كل شيء مقيتاً} (النساء)، أو ملك يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير وشرّ.
وروى الزمخشري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب أحدكم عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين اختطفته الشياطين». ولما ذكر تعالى أن على كل نفس حافظاً أتبعه بوصية الإنسان بالنظر في حاله فقال تعالى: {فلينظر الإنسان} أي: الآنس بنفسه الناظر في عطفه نظر اعتبار في أمره ونشأته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته. وقوله تعالى: {مم خلق} استفهام، أي: من أيّ شيء، وجوابه.
{خلق} أي: الإنسان على أيسر وجه وأسهله بعد خلق أبيه آدم عليه السلام من تراب وأمّه حوّاء رضي الله تعالى عنها من ضلعه.
{من ماء دافق} أي: مدفوق، فاعل بمعنى مفعول كقوله تعالى: {عيشة راضية} (الحاقة).
أو دافق على النسب، أي: ذي دفق أو اندفاق.
وقال ابن عطية: يصح أن يكون الماء دافقاً؛ لأنّ بعضه يدفق بعضاً أي: يدفعه فمنه دافق ومنه مدفوق، والدفق الصب أي: مصبوب في الرحم، ولم يقل تعالى من ماءين فإنه من ماء الرجل وماء المرأة، لأنّ الولد مخلوق منهما لامتزاجهما في الرحم فصارا كالماء الواحد، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه.
{يخرج من بين الصلب} أي: للرجل وهو عظام الظهر {والترائب} أي: للمرأة جمع تريبة وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة، وعن عكرمة: {الترائب} ما بين ثدييها، وقيل: {الترائب} التراقي، وقيل: أضلاع الرجل التي أسفل الصدر. وحكى الزجاج: أن {الترائب} أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدر.
وقال ابن عادل جاء في الحديث: «أنّ الولد يخلق من ماء الرجل يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة يخرج من ترائبها اللحم والدم. وحكى القرطبي: إنّ ماء الرجل ينزل من الدماغ ثم يجتمع في الانثيين»، وهذا لا يعارضه قوله تعالى: {من بين الصلب والترائب} لأنه ينزل من الدماغ ثم يجتمع في الانثين قال المهدودي: ومن جعل يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة لضمير للإنسان.
والضمير في قوله تعالى: {إنه} للخالق المدلول عليه بخلق لأنه معلوم أن لا خالق سواه سبحانه وتعالى وفي الضمير في قوله تعالى: {على رجعه} وجهان:
أحدهما: أنه ضمير الإنسان أي: بعثه بعد موته {لقادر} وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، والثاني: أنه ضمير الماء، أي: رجع المنيّ في الإحليل أو الصلب وهذا قول مجاهد.
وعن الضحاك أنّ المعنى: إنه على ردَّ الإنسان في الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الكبر.
وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج؛ لقادر.
وقال الماوردي: يحتمل أنه قادر على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه إلى الآخرة؛ لأنّ الكفار يسئلون فيها الرجعة.
وقوله تعالى: {يوم} منصوب بـ: {رجعه} ومن يجعل الضمير في {رجعه} للماء وفسره برجعه إلى مخرجه من الصلب والترائب، أو الإحليل وحاله الأولى نصب الظرف بمضمر، أي: واذكر يوم.
{تبلى} تختبر وتكشف، {السرائر} أي: ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيات وغيرهما وما أخفى الأعمال وذلك يوم القيامة وبلاؤها تعرفها وتصفحها والتمييز بين ما طاب منها وما خبث.
وعن الحسن أنه سمع رجلاً ينشد:
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ** سريرة ودّ يوم تبلى السرائر

فقال: ما أغفله عما في والسماء والطارق.
وقال عطاء بن رباح: إن {السرائر} فرائض الأعمال كالصوم والصلاة والوضوء والغسل من الجنابة، فإنها سرائر بين الله تعالى وبين العبد، ولو شاء العبد لقال: صمت ولم يصم، وصليت، ولم يصل واغتسلت ولم يغتسل فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها.
وقال ابن عمر: يبدي الله تعال كل سرّ فيكون زيناً في وجوه، وشيناً في وجوه. يعني: فمن أدّاها كان وجهه مشرقاً، ومن لم يؤدها كان وجهه أغبر.
{فما له} أي: لهذا الإنسان المنكر للبعث الذي أخرجت سرائره. وأعرق في النفي والتعميم فقال تعالى: {من قوة} أي: منعة في نفسه يمتنع بها {ولا ناصر} أي: ينصره من عذاب الله تعالى فيدفعه عنه. ثم ذكر تعالى قسماً آخر فقال تعالى: {والسماء} أي: التي تقدّم الإقسام بها، وَصَفَها بما يؤكد العلم بالبعث فقال تعالى: {ذات الرجع} أي: التي ترجع بالدوران إلى الموضع الذي تتحرك عنه فترجع الأحوال التي كانت، وتصرّمت من الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب، والفصول من الشتاء وما فيه من برد ومطر، والصيف وما فيه من حرّ وصفاء وسكون، وغير ذلك.
وقيل: ذات النفع.
وقيل: ذات الملائكة لرجوعهم فيهم بأعمال العبادة.
وقيل: ذات المطر لعوده كل حين، أو لما قيل: من أن السحاب تحمل الماء من البحار، ثم ترجعه إلى الأرض، وعلى هذا يجوز أن يراد بالسماء السحاب.
{والأرض} أي: مسكنكم الذي أنتم ملابسوه ومعاينوه كل وقت.
{ذات الصدع} أي: تنصدع عن النبات والشجر والثمار والأنهار والعيون، نظيره: قوله تعالى: {ثم شققنا شقاً} (عبس). الآية و{الصدع} بمعنى الشق لأنه يصدع الأرض فتنصدع، به فكأنما قال تعالى: والأرض ذات النبات.
وقال مجاهد: ذات الطرق التي تصدعها المشاة، وقيل: ذات الحرث لأنه يصدعها، وقيل: ذات الأموات لإصداعهم عنها للنشور.
قال الرازي: واعلم أنه تعالى كما جعل كيفية خلقة الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقة النبات فقوله تعالى: {والسماء ذات الرجع} كالأب، وقوله تعالى: {والأرض ذات الصدع} كالأمّ وكلاهما من النعم العظام، لأنّ نعم الدنيا موقوفةٌ على ما ينزل من السماء مكرّراً، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك.
ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه وهو قوله تعالى: {إنه لقول فصل} وفي هذا الضمير قولان أحدهما: ما قاله القفال: وهو أن المعنى: أنّ ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى السرائر قول فصل وحق.
والثاني: أنه عائد على القرآن، أي: القرآن فاصل بين الحق والباطل كما قيل له: فرقان.
قال الرازي: والأوّل أولى؛ لأنّ عود الضمير إلى المذكور السالف أولى انتهى. وأكثر المفسرين على الثاني.
والفصل: الحكم الذي ينفصل به الحق من الباطل، ومنه فصل الخصومات وهو قطعها بالحكم الجزم. ويقال: هذا قول فصل قاطع للشرّ والنزاع معناه جدّ؛ لقوله تعالى: {وما هو} أي: في باطنه ولا ظاهره {بالهزل} أي: باللعب والباطل بل هو جدّ كله لا هوادة فيه: ومن حقه وقد وصفه الله تعالى بذلك أن يكون مهيباً في الصدور، معظماً في القلوب، يترفع به قارئه وسامعه أن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح، وأن يلقي ذهنه إلى أنّ جبار السموات والأرض يخاطبه فيأمره وينهاه، ويعده ويوعده حتى إن لم يستفزه الخوف، ولم تتبالغ فيه الخشية، فأدنى أمره أن يكون جاداً غير هازل، فقد نفى الله تعالى عن المشركين ذلك في قوله تعالى: {وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون} (النجم). {والغوا فيه} [فصلت] هذا على عود الضمير للقرآن، وعلى جعله للأوّل فيكون الشخص خائفاً وجلاً من ذلك الذي تبلى فيه السرائر.
{إنهم} أي: الكفار أعداء الله تعالى: {يكيدون كيداً} أي: يمكرون بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. واختلف في ذلك الكيد، فقيل: إلقاء الشبهات كقولهم {إن هي إلا حياتنا الدنيا} (الأنعام). {من يحيي العظام وهي رميم} (يس). {أجعل الآلهة إلهاً واحدا} (ص). وما أشبه ذلك وقيل: قصدهم قتله لقوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} (الأنفال). الآية. وأما قوله تعالى: {وأكيد} أي: أنا بإتمام اقتداري {كيداً} فاختلف فيه أيضًا، فقيل: معناه أجازيهم جزاء كيدهم، وقيل: هو ما أوقع الله تعالى بهم يوم بدر من القتل والأسر، وقيل: استدراجهم من حيث لا يعلمون، وقيل: كيد الله تعالى لهم بنصره وإعلاء درجته تسمية لأحد المتقابلين باسم الآخر لقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} (الشورى). وقول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وكقوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} (التوبة).
{يخادعون الله وهو خادعهم} (النساء).
ولما كان هذا معلما بأنهم عدم لا اعتبار بهم، قال تعالى مسبباً عنه تهديداً لهم {فمهل الكافرين} أي: {فمهل} يا أشرف الخلق هؤلاء البعداء، ولا تستعجل بالانتقام ولا بالدعاء عليهم بإهلاكهم فإنا لا نعجل لأنّ العجلة وهي إيقاع الشيء في غير وقته الأليق به نقص. وقوله تعالى: {أمهلهم} تأكيد حسنه مخالفة اللفظ، أي: أنظرهم {رويداً} أي: قليلاً، وهو مصدر مؤكد لمعنى العامل مصغر، روداً وأرواداً على الترخيم، وقد أخذهم الله تعالى ببدر ونسخ الإمهال بالأمر بالجهاد والقتال.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الطارق أعطاه الله تعالى بعدد كل نجم في السماء عشر حسنات» حديث موضوع. اهـ.